فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغة:

{البر} اسم جامع للطاعات وأعمال الخير.
{الرقاب} جمع رقبة وهي في الأصل العنق، وتطلق على البدن كله، كما تطلق العين على الجاسوس والمراد في الآية الأسرى والأرقاء.
{البأساء} الفقر.
{الضراء} السقم والوجع.
{البأس} القتال، وأصل البأس في اللغة: الشدة.
{كتب} فرض.
{القصاص} العقوبة بالمثل، من قتل أو جرح، مأخوذ من القص وهو تتبع الأثر.
{وقالت لأخته قصيه} أي اتبعى أثره.
{القتلى} جمع قتيل يستوي المذكر والمؤنث يقال: رجل قتيل وامرأة قتيل.
{الألباب} العقول جمع لب مأخوذ من لب النخلة.
{وإثما} الإثم: الذنب.
{جنفا} الجنف: العدول عن الحق على وجه الخطأ والجهل. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ليس البر} بنصب الراء: حمزة وحفص الخراز عنه مخير. الباقون: بالرفع {ولكن} خفيفًا {البر} رفعًا وكذلك فيما بعد: نافع وابن عامر. الباقون: بالتشديد والنصب.

.الوقوف:

{والنبيِّين} ج لطول الكلام واختلاف المعنى لأن ما قبله أصول الإيمان وما بعده فروع: {وفي الرقاب} ج للطول مع انتهاء شرع المكارم وابتداء اللوازم {الزكاة} ج {عاهدوا} ج للعدول عن النسق إلى المدح والتقدير: هم الموفون أعني الصابرين {اليأس} ط {صدقوا} ط {المتقون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اختلف العلماء في أن هذا الخطاب عام أو خاص فقال بعضهم: أراد بقوله: {لَّيْسَ البر} أهل الكتاب لما شددوا في الثبات على التوجه نحو بيت المقدس فقال تعالى: ليس البر هذه الطريقة ولكن البر من آمن بالله وقال بعضهم: بل المراد مخاطبة المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجه إلى الكعبة من حيث كانوا يحبون ذلك فخوطبوا بهذا الكلام، وقال بعضهم بل هو خطاب للكل لأن عند نسخ القبلة وتحويلها حصل من المؤمنين الإغتباط بهذه القبلة وحصل منهم التشدد في تلك القبلة حتى ظنوا أنه الغرض الأكبر في الدين فبعثهم الله تعالى بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات، وبين أن البر ليس بأن تولوا وجوهكم شرقًا وغربًا، وإنما البر كيت وكيت، وهذا أشبه بالظاهر إذ لا تخصيص فيه فكأنه تعالى قال: ليس البر المطلوب هو أمر القبلة، بل البر المطلوب هذه الخصال التي عدها. اهـ.
قوله تعالى: {لَّيْسَ البر}.
قرأ حمزة وحفص عن عاصم {لَّيْسَ البر} بنصب الراء، والباقون بالرفع، قال الواحدي: وكلا القراءتين حسن لأن اسم {لَّيْسَ} وخبرها اجتمعا في التعريف فاستويا في كون كل واحد منهما اسمًا، والآخر خبرًا، وحجة من رفع {البر} أن اسم {لَّيْسَ} مشبه بالفاعل، وخبرها بالمفعول، والفاعل بأن يلي الفعل أولى من المفعول، ومن نصب {البر} ذهب إلى أن بعض النحويين قال: {أن} مع صلتها أولى أن تكون اسم {لَّيْسَ} لشبهها بالمضمر في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، فكان هاهنا اجتمع مضمر ومظهر، والأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر، وعلى هذا قرئ في التنزيل قوله: {كَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا في النار} [الحشر: 12] وقوله: {مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ} [الأعراف: 82] {وَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الجاثية: 25] والاختيار رفع البر؛ لأنه روي عن ابن مسعود أنه قرأ: {لَّيْسَ البر بِأَنَّ} والباء تدخل في خبر ليس. اهـ.

.قال ابن عادل:

قرأ الجُمْهُور برفع {البِرُّ} وحمزة، وحفصٌ عن عاصم بنصبه، فقراءةُ الجُمْهُور على أنَّه اسمُ {لَيْسَ} و{أَنْ تُولُّوا} خبرها في تأويل مصدّرٍ، أي: ليس البِرُّ تَوْلِيَتكُمْ، ورجِّحت هذه القراءةُ مِنْ حيث إنَّه ولي الفعل مرفوعة قَبْل منصوبه، وأَمَّا قراءة حمزة وحَفْصٍ ف {البرُّ} خبرٌ مقدَّمٌ، و{أَنْ تُوَلُّوا} اسمُها في تأويل مصدرٍ، ورجِّحت هذه القراءة بأنَّ المصدر المؤَوَّل أعرفُ من المحلَّى بالألف واللام؛ لأنَّهُ يشبه الضَّمير، من حيث إِنَّهُ لا يوصَفُ؛ ولا يوصف به، والأعْرَفُ ينبغي أنْ يُجْعَل الاسْمَ وغيْر الأعْرَفِ الخَبَرِ؛ وتقديمُ خَبَر {لَيْسَ} على اسمها قليلٌ؛ حتى زَعَم منْعَهُ جماعةٌ منْهم ابنُ دَرَسْتَوَيْهِ، قال: لأنَّها تشبه {مَا} المجازيَّة ولأَنَّها حرفٌ على قول جماعةٍ، لكنه محجوج بهذه القراءة المتواترة، وبقول الشاعر الطويل:
سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمْ ** فَلَيْسَ سَوَاءَ عَاِمٌ وَجَهُولُ

وقال آخر: الطويل:
أَلَيْسَ عَظِيمًا أَنْ تُلِمُ مُلِمَّةٌ ** وَلَيْسَ عَلَيْنَا فِي الخُطُوبِ مُعَوَّلُ

وفي مصحف أُبَيٍّ، وعبْد الله {بِأَنْ تُوَلُّوا} بزيادةِ الباء، وهي واضحة؛ فإن الباء تزادُ في خبر {لَيْسَ} كثيرًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقرأ الجمهور {ليس البرُّ} برفع {البر} على أنه اسم {ليس} والخبر هو {أَن تُولُّوا} وقرأه حمزة وحفص عن عاصم بنصب {البرَّ} على أن قوله: {أن تولوا} اسمُ {ليس} مؤخر، ويكثر في كلام العرب تقديم الخبر على الاسم في باب كان وأخواتها إذا كان أحد معمولي هذا الباب مركبًا من أنْ المصدرية وفعلِها كان المتكلم بالخيار في المعمول الآخر بين أن يرفعه وأن ينصبه وشأن اسم {ليس} أن يكون هو الجدير بكونه مبتدأ به، فوجه قراءة رفع {البر} أن البر أمر مشهور معروف لأهل الأديان مرغوب للجميع فإذا جعل مبتدأ في حالة النفي أصغت الأسماع إلى الخبر، وأما توجيه قراءة النصب فلأن أمر استقبال القبلة هو الشغل الشاغل لهم فإذا ذُكر خبره قبلهُ ترقب السامع المبتدأ فإذا سمعه تقرر في علمه. اهـ.
البر اسم جامع للطاعات، وأعمال الخير المقربة إلى الله تعالى، ومن هذا بر الوالدين، قال تعالى: {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13- 14] فجعل البر ضد الفجور وقال: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} [المائدة: 2] فجعل البر ضد الإثم فدل على أنه اسم عام لجميع ما يؤجر عليه الإنسان وأصله من الاتساع ومنه البر الذي هو خلاف البحر لاتساعه. اهـ.
قال ابن عاشور:
البِرّ سعة الإحسان وشدة المرضاة والخير الكامل الشامل ولذلك توصف به الأفعال القوية الإِحسان فيقال: بر الوالدين وبر الحج وقال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، والمراد به هنا بر العبد ربه بحسن المعاملة في تلقي شرائعه وأوامره.
ونفيُ البر عن استقبال الجهات مع أن منها ما هو مشروع كاستقبال الكعبة: إما لأنه من الوسائل لا من المقاصد فلا ينبغي أن يكون الاشتغال به قصارى همة المؤمنين ولذلك أسقطه الله عن الناس في حال العجز والنسيان وصلوات النوافل على الدابة في السفر، ولذلك قال: {ولكن البر من آمن} إلخ فإن ذلك كله من أهم مقاصد الشريعة وفيه جماع صلاح النفس والجماعة. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله} في هذه الآية خَمْسَة أوجه:
أحدها: أن {البِرَّ} اسم فاعل من: بَرَّ يَبَرُّ، فهو برُّ والأصل: بَرِرٌ بكسر الراء الأولى بزنة فطِنٍ فلمَّا أريد الإدغام، نقلت كسرة الرَّاء إلى الباء بعد سكبها حركتها؛ فعلى هذه القراءة: لا يحتاج الكلام إلى حذف وتأويلٍ؛ لأنَّ البِرَّ من صفات الأعيان؛ كأنه قيل: وَلكِنَّ الشخْصَ البِرَّ مَنْ آمن.
الثاني: أنَّ في الكلام حذف مضافٍ من الأوَّل، تقديره: ولكنَّ ذا البِرِّ من آمن؛ كقوله تعالى: {والعاقبة للتقوى} [طه: 132] أي: لذي التقوى؛ وقوله: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله والله} [آل عمران: 163] أي: ذوو درجاتٍ، قاله الزَّجَّاج.
الثالث: أن يكون الحذف من الثاني: أي: وَلكِنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ وهذا تخريجُ سيبويه، واختياره، وإنَّما اختاره؛ لأنَّ السابق، إنَّما هو نفي كون البِرِّ هو تولية الوجهِ قبل المشرق والمغرب، فالذي يستدركُ، إنَّما هو من جنس ما ينفى؛ ونظير ذلك: لَيْسَ الكَرَمُ أنْ تَبْذُلَ دِرْهَمًا، ولكَّن الكَرَمَ بذل الآلاَفِ ولا يناسبُ: ولكِنَّ الكَرِيمَ مَنْ يَبْذُلُ الآلاَفَ وحذف المضاف كثيرٌ في الكلام، كقوله: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} [البقرة: 93]، أي: حُبَّ العجل، ويقولون: الجود حاتم، والشعير زهير، والشجاعة عنترة، وقال الشاعر: الطويل:
فَإِنَّما هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

أي: ذات إقبالٍ، وذات إدبار.
وقال النَّابغة: المتقارب:
وَكَيْفَ نُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ ** خِلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ

أي: كخلالة أبي مرحب، وهذا اختيار الفرَّاء، والزَّجَّاج، وقطرب.
وقال أبو عليٍّ: ومثل هذه الآية الكريمة قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج} [التوبة: 19]، ثم قال: {كَمَنْ آمَنَ بالله} [التوبة: 19]؛ ليقع التمثيل بين مصدرين، أو بين فاعلين؛ إذ لا يقع التمثيل بين مصدرٍ، وفاعلٍ.
الرابع: أن يطلق المصدر على الشَّخص مبالغةً؛ نحو: رجل عدل.
ويحكى عن المبرِّد: لو كنت ممَّن يقرأ القرآن، لقرأت وَلَكِنَّ البَرَّ بفتح الباء وإنَّما قال ذلك؛ لأن البَرَّ اسم فاعل، نقول بَرَّ يَبَرُّ، فهو بَارٌّ، فتارة تأتي به على فاعل، وتارة على فعل.
الخامس: أن المصدر وقع موقع اسم الفاعل، نحو: رجل عدلٌ، أي: عادل، كما قد يقع اسم الفاعل موقعه، نحو: أقائمًا، وقد قعد الناس؛ في قولٍ، هذا رأي الكوفيين، والأولى فيه ادِّعاء أنه محذوفٌ من فاعلٍ، وأن أصله: بارٌّ، فجعل برًّا، وأصله ك سِرٍّ، ورَبٌّ أصله رابٌّ، وقد تقدم.
وجعل الفراء {مَنْ آمَنَ} واقعًا موقع الإيمان، فأوقع اسم الشخص على المعنى كعكسه؛ كأنه قال: وَلَكِنَّ البِرَّ الإيمانُ باللَّهِ قال: والعَرَبُ تجعل الاسم خبرًا للفعل، وأنشد في ذلك: الطويل:
لَعَمْرُكَ مَا الفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ** وَلَكِنَّمَا الفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِي

جعل نبات اللحية خبرًا للفتيان، والمعنى: لعمرك ما الفتوَّة أن تنبت اللِّحى.
وقرأ نافعٌ، وابن عامر: {وَلَكِن البِرُّ} هنا وفيما بعد بتخفيف {لَكِنْ} وبرفع {البِرُّ}، والباقون بالتَّشديد، والنَّصب، وهما واضحتان ممَّا في قوله: {ولكن الشياطين كَفَرُواْ} [البقرة: 102].
وقرئ: {وَلِكنَّ البَارَّ} بالألف، وهي تقوِّي أنَّ {البِرَّ} بالكسر المراد به اسم الفاعل، لا المصدر.
قال أبو عُبَيْدَةَ: {البِرُّ} هاهنا بمعنى البَارِّ، كقوله: {والعاقبة للتقوى} [طه: 132] أي: للمتَّقين، ومنه قوله تعالى: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] أي: غائرًا، وقالت الخنساء: البسيط:
وَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ

أي: مقبلة ومدبرة والعمل لكل خير هو بر، وقيل: البر: كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة، قال تعالى: {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ} [الإنسان: 13]. اهـ.

.قال الألوسي:

{ولكن البر مَنْ ءامَنَ بالله} تحقيق للحق بعد بيان بطلان الباطل، وال في البر إما للجنس فيكون القصر ادعائيًا لكمال ذلك الجنس في هذا الفرد، وإما للعهد أي ما ينبغي أن يهتم به ويعتني بشأنه ويجد في تحصيله، والكلام على حذف مضاف أي برّ من آمن إذ لا يخبر بالجثة عن المعنى ويجوز أن لا يرتكب الحذف ويجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل أو يقال باطلاق البر على البار مبالغة، والأول أوفق لقوله: {لَّيْسَ البر} وأحسن في نفسه لأنه كنزع الخف عند الوصول إلى الماء ولأن المقصود من كون ذي البر من آمن إفادة أن البر إيمانه فيؤول إلى الأول. اهـ.
قال الألوسي:
{والمساكين} جمع مسكين وهو الدائم السكون لما أن الحاجة أسكنته بحيث لا حراك به أو دائم السكون والالتجاء إلى الناس، وتخصيصه بمن لا شيء له أو بمن لا يملك ما يقع موقعًا من حاجته خارج عن مفهومه {وابن السبيل} أي المسافر كما قاله مجاهد وسمي بذلك لملازمته الطريق في السفر أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه وأصحابه فهو أبدًا يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين الشارف إلى عطنه، أو لأنه لما لم يكن بين أبناء السبيل، والمعطي تعارف غالبًا يهون أمر الإعطاء ويرغب فيه أفردهم ليهون أمر إعطائهم وليشير إلى أنهم وإن كانوا جمعًا ينبغي أن يعتبروا كنفس واحدة فلا يضجر من إعطائهم لعدم معرفتهم وبعد منفعتهم فليفهم. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {وَفِي الرقاب} ففيه مسألتان:

.المسألة الأولى: {الرقاب}:

جمع الرقبة وهي مؤخر أصل العنق، واشتقاقها من المراقبة، وذلك أن مكانها من البدن مكان الرقيب المشرف على القوم، ولهذا المعنى يقال: أعتق الله رقبته ولا يقال أعتق الله عنقه، لأنه لما سميت رقبة كأنها تراقب العذاب، ومن هذا يقال للتي لا يعيش ولدها: رقوب، لأجل مراعاتها موت ولدها.